إن عملية اتخاذ القرارات ليس مجرد تصرف يومي عابر، بل هي عملية معقدة تتطلب تقييمًا للخيارات المتاحة وتفكيرًا عميقًا في التبعات المحتملة، ومع ذلك، قد يجد البعض أنفسهم محاصرين في دوامة من التردد المستمر، بحيث يصعب عليهم اتخاذ قرار نهائي، سواء كان صغيرًا أم كبيرًا.


وعليه، فيُعرف التردد المفرط بأنه حالة يجد فيها الشخص صعوبة في اتخاذ الخيارات، حتى عندما تكون بسيطة أو صغيرة، يمكن أن يسبب التردد المفرط مشاعر التوتر والقلق والإحباط وعدم الرضا، ويمكن أن يظهر هذا التردد في مجموعة متنوعة من السياقات، سواء كانت مرتبطة بالأمور الشخصية، المهنية، أو حتى اليومية.[١]


ما هي مظاهر التردد المفرط؟

مظاهر التردد المفرط قد تظهر في العديد من جوانب الحياة الشخصية، سواء كانت ناجمة عن عوامل نفسية أو غيرها، وفي الآتي بعض المظاهر والعلامات التي قد تشير إلى التردد المفرط:[٢][١]


تأجيل اتخاذ القرارات

الشخص الذي يعاني من تردد مفرط قد يجد صعوبة في اتخاذ القرارات، حتى في الأمور البسيطة، قد يبدو أنه يتردد بشكل غير مبرر ويتجنب اتخاذ أي قرار.


الشعور بالقلق الزائد

التردد المفرط قد يترافق مع قلق مستمر بشأن نتائج القرارات المحتملة، فالشخص يمكن أن يخشى تبعات اتخاذ القرارات الخاطئة وبالتالي يمكنه تجنب اتخاذها.


التركيز الزائد على التفاصيل

الشخص الذي يعاني من تردد مفرط قد ينغمس بشكل زائد في التفاصيل، مما يجعل عملية اتخاذ القرار أكثر تعقيدًا وتأجيلاً.


الانتقاد الذاتي الشديد

قد يتسبب التردد المفرط في انتقاد الشخص لنفسه بشكل شديد، حيث يعتقد أنه غير قادر على اتخاذ قرارات صحيحة أو يعتبر نفسه ضعيفًا.


التأجيل المستمر

يمكن أن يؤدي التردد المفرط إلى تأجيل اتخاذ القرارات بشكل مستمر، مما يمكن أن يتسبب في فقدان الفرص والتأثير على جودة الحياة.


الاستشارة المستمرة

قد يلجأ الشخص بشكل مستمر إلى استشارة الآخرين قبل اتخاذ أي قرار، وذلك للتخفيف من توتره وعدم الثقة في قراراته الشخصية.


التفكير الزائد والتحليل المفرط

يمكن أن يتسبب التردد في الانغماس في التفكير المفرط وتحليل جميع الجوانب الممكنة للقرار، مما يجعل العملية معقدة ومرهقة.


ما الذي يسب التردد المفرط؟

يعد الخوف من اتخاذ القرارات الخاطئة أحد العوامل الرئيسية التي تجعل العديد من الأشخاص يترددون عند مواجهة خيار معين، كما يمكن أن يكون هذا الخوف بسبب القلق من الفشل أو حتى النجاح الذي يمكن أن ينتج عن القرار، وفي بعض الحالات، يمكن أن تكون هذه الخشية مرتبطة بالانعكاسات الاجتماعية، حيث يتساءلون عما سيراه الآخرون بشأن قرارهم، كما قد يكون السعي نحو الكمالية أيضًا له تأثيراً عليهم، حيث يسعى البعض لاتخاذ القرار الذي لا يترتب عليه أي خطأ.[٣]


علاوة على ذلك، إذا كانت الحالات التي تم اتخاذ فيها القرارات الكبيرة قليلة، فقد يشعر الشخص بالقليل من الثقة في قدرته على اتخاذ القرارات بفعالية.[٣]


هل التردد المفرط مشكلة نفسية؟

يمكن أن يكون التردد المفرط مشكلة نفسية، وذلك يعتمد على شدة التردد وتأثيره على حياة الفرد، علماً أنّ التردد هو أمر طبيعي من التجربة الإنسانية، ويواجه الجميع بعض الصعوبات في اتخاذ الخيارات في بعض الأحيان، وفي حال كان التردد مزمنًا ومزعجًا فقد يكون علامة على وجود حالة نفسية أخرى، مثل الاكتئاب أو القلق أو اضطراب الوسواس القهري.[٤][٥]


متى أطلب المساعدة المهنية؟

إذا كنت تعاني من التردد المفرط ويؤثر على نوعية حياتك أو حياتك الاجتماعية أو رفاهيتك، فقد تستفيد من طلب المساعدة المهنية، حيث يمكن أن يساعدك المعالج في تحديد الأسباب الجذرية لعدم قدرتك على اتخاذ القرار، وتحدي أفكارك ومعتقداتك التي تقف عائقاً أمامك، ويعلمك مهارات واستراتيجيات التأقلم لاتخاذ القرارات بثقة وفعالية أكبر، كما يمكنك أيضًا تجربة بعض أساليب المساعدة الذاتية للتغلب على التردد، والتي سيتم بيانها في الآتي:


استراتيجيات التعامل مع التردد المفرط

من الممكن التخفيف من التردد اليومي باتباع بعض الاستراتيجيات المساعدة، يذكر منها:[٦]


لا يوجد قرار صحيح وخاطئ

من الجدير الاعتراف أن مسارات الحياة مليئة بالمخاطر، ولا يمكننا بشكل دائم التنبؤ بمدى صحة أو خطأ القرارات التي نتخذها، قد يكون التمييز بين قرار صائب وآخر خاطئ أمرًا غير قاطع، وبدلاً من ذلك، ربما نواجه تتابعًا من الخيارات، كلٌ منها يحمل جوانب إيجابية وسلبية، وعليه، فقد يسهم التقبّل الشامل للحقيقة أنه لا يوجد قرار مثالي أو خاطئ في التقليل من القلق الذي يصاحب اتخاذ القرارات.


تقييم مسار العمل الخاص بك

ضع خطة لتقييم الخيارات المتاحة بعقلانية ومنطقية قبل اتخاذ أي قرار، وتذكر دائمًا أن النتائج غير المرغوب فيها لا تعني بالضرورة فشلًا، بل قد تكون فرصًا قيمة للتفكير العميق والتعلم من الخبرات.


التفكير في السيناريو الأسوأ واتباع نهج لحل المشكلات

"تطلع للأفضل واستعد للأسوأ" هي استراتيجية ذكية للتعامل مع التردد، حيث ستساعدك هذه الاستراتيجية على الحفاظ على التفاؤل في حين تمكنك من التعامل مع الخوف من النتائج غير المرغوبة، بغض النظر عما سيحدث، وستكون واثقًا من أنك قد أعددت نفسك جيدًا.


حين تفكر في الأخطاء المحتملة، حاول تطوير استراتيجيات تكيفية خاصة بك، ستمكنك هذه الخطة الجاهزة من التصرف بثقة عند الحاجة، ولاحظ أن السيناريوهات السيئة نادرًا ما تتحقق بالفعل، ومع ذلك، فإن الاستعداد لمواجهتها يمكن أن يقلل من شعورك بالقلق، ويمنحك الثقة للتعامل مع أي تحدٍ يظهر.


استراتيجيات أخرى:[٤]

  • الحد من خياراتك: يمكن أن يساعدك تقليل عدد البدائل في التركيز على البدائل الأكثر أهمية أو ذات الصلة وتجنب الانشغال بالتفاصيل غير ذات الصلة.
  • تحديد موعد نهائي: إن إعطاء نفسك إطارًا زمنيًا محددًا لاتخاذ القرار يمكن أن يساعدك في التغلب على المماطلة ويحفزك على اتخاذ الإجراء.
  • الثقة بحدسك: الاستماع إلى مشاعرك الداخلية أو صوتك الداخلي يمكن أن يساعدك على التواصل مع عواطفك وتفضيلاتك واختيار ما يناسبك.
  • اذكر إيجابيات وسلبيات كل خيار: القرارات المهمة تأتي مع تحديات واضحة. يمكن أن يكون من النافع تقييم الإيجابيات والسلبيات لكل خيار محتمل، هذا التحليل يساعدك على فهم ما يمكنك أن تحققه أو تخسره من كل خيار، وخاصة فيما يتعلق بالقرارات ذات الأهمية الكبيرة.
  • قم بالبحث الخاص بك: كمزيد من المساعدة، يمكنك أيضًا أن تبحث بشكل دقيق، على سبيل المثال، إذا كنت في مرحلة تفكير حول قبول وظيفة في مكان آخر، فإن البحث المستفيض يمكن أن يقدم لك رؤية أفضل حول المسؤوليات المتوقعة وتجربة العيش في تلك المنطقة.
  • تجنب فخ الكمال: لا تندفع نحو فخ الكمال، إذ يجب أن نتقبل أن النجاح يأتي مع الأخطاء، والانتقادات قد تأتي في بعض الأحيان، إذ إن تجنب المخاطرة من شأنه أن يمنع تطويرنا وتعلمنا من أخطائنا.
  • تقليل الخيارات: أحيانًا، تقليل الخيارات قد يكون الخيار الأمثل، فعندما نختزل الخيارات، يمكننا تبسيط عملية اتخاذ القرار والتركيز على ما يهم حقًا.


الأسئلة الأكثر شيوعاً

  • ما هي أسباب التردد المفرط؟

يمكن أن يكون التردد المفرط ناتجًا عن القلق من العواقب السلبية، أو الخوف من الفشل أو النجاح، أو بسبب الاضطرابات النفسية مثل اضطراب القلق الاجتماعي.

  • كيف يمكن التفريق بين التردد الطبيعي والتردد المفرط؟

التردد الطبيعي عبارة عن جزء من عملية اتخاذ القرارات، بينما التردد المفرط يتسبب في تأجيل اتخاذ القرارات لفترة طويلة دون سبب مقنع.

  • هل يمكن أن يتطور التردد المفرط إلى شكل من أشكال اضطرابات القلق؟

نعم، إذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح، يمكن أن يؤدي التردد المفرط إلى ازدياد القلق وتطوره إلى اضطرابات القلق.

  • ما هي أفضل الاستراتيجيات للتعامل مع التردد المفرط؟

تشمل الاستراتيجيات تحسين الثقة بالنفس، وتقليل حس الكمالية، وتحديد المعايير المهمة لاتخاذ القرارات، واستخدام وقت محدد للتفكير.


المراجع

  1. ^ أ ب "Chronic Indecisiveness: Between a Rock and a Hard Place", psychologytoday. Edited.
  2. "9 Signs You Have Decision Fatigue—and Tips to Help Manage It", realsimple. Edited.
  3. ^ أ ب "How to Overcome Indecisiveness", healthline. Edited.
  4. ^ أ ب "Why Am I So Indecisive? 10 Methods That Can Help You Make Decisions", psychcentral. Edited.
  5. "Indecisiveness: Definition, Examples, & How to Overcome It", berkeleywellbeing. Edited.
  6. "Indecisive Meaning And Tips To Improve Decision-Making", thepracticalpsych. Edited.