لا شك في أن التصالح مع الآخرين جملة مألوفة ونسمعها كثيرًا، لكن هل يعني التصالح مع النفس أن تتخيل نفسك شخصًا آخر وتقوم بمسامحته؟ هل هذه هي كل الفكرة؟ لماذا تشعر أحيانًا بأن في داخلك قاضيًا صغيرًا يحاكم الآخرين على أفعالهم وتصرفاتهم، سواءً أصرحت بذلك، أم لم تصرح؟ كأن ترفض حتى لو بينك وبين ذاتك طريقة كلام شخص ما وأسلوبه، أو طريقته في اختيار الملابس والألوان، إن لكل هذه المواقف والمشاعر علاقة في التصالح مع النفس، وهذا المقال سوف يوضحها من خلال تعريف التصالح مع النفس، إلى جانب توضيح مراحل التصالح مع النفس، وطرح الخطوات التي ستساعدك للتصالح مع نفسك.[١]


كيف أتصالح مع نفسي؟

إليك مجموعة من النقاط التي تجيبك عن سؤال كيف أتصالح مع نفسي:[٢]

  • المعرفة: إن المعرفة عن النفس وعن الأِشياء من حولك، والبحث عن إجابات مقنعة لكل الأسئلة التي تدور في ذهنك هي أول خطوة وأهم خطوة للتصالح مع النفس، مع الأخذ بعين الاعتبار إلى ضرورة تقبل حقيقة النقص البشري، وأن العقل البشري غير قادر على إيجاد إجابات لبعض الأسئلة، أو الأمور الغيبية فلا ترهق نفسك في الكمال.
  • تقبل الذات: من المهم أن يتقبل الإنسان نفسه، ويحتضن عيوبه ويحاول تصحيح مساره، بدلًا من الإنكار والعناد والتفاخر بالعيوب، الأمر الذي يؤكد جبنه وهربه من واقعه.
  • عدم إطلاق الأحكام على الآخرين: تجنب إصدار الأحكام خاصة الأحكام المتطرفة كقول شخص عن آخر إنه سيئ بالمطلق، أو جيد بالمطلق، أو إطلاق أحكام عامة على شخص من عرق معين أو طائفة معينة أو لون معين.
  • التركيز على إصلاح الذات: لكي تتصالح مع نفسك من المهم أن تبدأ برحلة الإصلاح ومعرفة عيوبك، مع ضرورة التركيز على نقاط القوة وتنميتها، مثلًا إذا كنت تتكلم على الآخرين، حاول أن تبحث عن طرق لترك هذه العادة مثل: اختيار الأشخاص الذين تتحدث معهم، أو البعد عن المجالس التي تكثر فيها هذه الأحاديث، كما يمكنك حضور دورات تدريبية حول ضبط العادات، أو مشاهدة مقاطع فيديو على اليوتيوب تساعدك لترك أي عادة سيئة، ولا تنسَ أثناء ذلك أن تتعرف على نقاط قوتك وتنميها وتطوّرها، مثل مساعدة الآخرين، أو المشاركة في الأعمال التطوعية، أو تعلّم لغات برمجة، أو تنمية عادات جيدة ومفيدة كالقراءة، والمشي مثلًا.
  • التخلص من العلاقات السامة المحيطة: تذكّر أنك تتأثر بمن حولك بطريقة أو بأخرى، فإذا كان صديقك دائم الشكوى والتذمر، كثيراً الأخذ شحيح العطاء، فإن ذلك سيجعلك في صراع دائم مع نفسك بين علاقة الصداقة التي تربطك به وبين صفاته التي تؤذيك بشكل يومي ومتكرر، فإذا كان في دائرتك أو محيطك علاقة مثل هذه العلاقات، عليك أن تبحث عن طرق للتعامل معها، ويمكنك الاستعانة بمتخصص إذا لزم الأمر، وقد يكفيك قراءة بعض الكتب، أو استشارة شخص تثق بمعرفته ورأيه في العلاقات.
  • حافظ على علاقتك الروحية: لكي تهدأ الروح والنفس لا بد من أن تكون العلاقة الروحية في مستوى عالٍ، لذلك احرص على الصلاة والتواصل مع الله وذكره، ففي مرحلة معينة سيكتشف الإنسان أنه مهما بلغ من قوة وسلطة سيظل ضعيفًا، ويحتاج إلى قوة أكبر من قوة البشر لتعينه وتساعده، مع الإشارة إلى أن التواصل الروحي يختلف من شخص إلى آخر بحسب معتقداته وتفكيره وثقافته.


مراحل التصالح مع النفس

في الآتي أربع مراحل تمر بها للوصول إلى درجة التصالح مع النفس:[٣]

  • التحرر من شعور الحزن أو الذنب أو الظلم بعد العلاقات: يمر الإنسان بعلاقات مختلفة خلال حياته، وبعض العلاقات قد تسبب له الأذى، أو الشعور بالذنب تجاهها بطريقة ما، ولكي يصل الإنسان إلى التصالح مع نفسه لا بد من تجاوز مشاعره الداخلية بهذا الجانب، ومثال ذلك مشاعر الذنب التي قد تصيب رجلًا تخلى عن زواجه لأسباب ظالمة أو غير منصفة، أو شعور شخص بأنه قد تسرّع في الحكم على صديقه وظلمه.
  • تقبل الآخرون كما هم: تذكر أن قرار التقرب من شخص أو البعد عنه يعنيك، ولكن لا يعنيك تغيير صفة أو طبع يمتلكه، وعليه فإذا أردت الوصول إلى مرحلة التصالح مع الذات يجب عليك تقبل الآخر كما هو، سواءً استجاب للتغييرات التي تطلبها أو تتوقعها منه أم لا، وتفهم فكرة أن لكل شخص ظروفه، وتجاربه، ورحلته الخاصة التي شكلت منه هذه الشخصية التي تقابلها في توقيت معين في حياتك.
  • التركيز على نقاط الالتقاء بدلًا من التركيز على نقاط الصراع والاختلاف: من أهم مراحل التصالح مع النفس التركيز على نقاط الالتقاء مع الأشخاص والعلاقات المحيطة بك بدلًا من إضاعة الوقت في الخوض في نقاط الصراع والاختلاف، وإليك مثال بسيط على ذلك، مثلًا إذا كان هناك اختلافات دينية بينك وبين صديق أو زميل لك، فلا حاجة للخوض في أحاديث عن هذا الموضوع ما دمت تعرف أن هذا الموضوع سيوتر العلاقة بينكما، وعليه فيمكن أن تتحدثا عن مواضيع مشتركة بينكما، مثل: السيارات، والسفر، والوضع الاقتصادي، أو أي موضوع آخر يثير اهتمامكما بعيدًا عن الاختلاف.
  • تقبل ما لا يمكن تغييره: هناك بعض الأحداث والظروف التي تخرج عن إرادة الإنسان أو عن إطار قدرته في إصلاحها، ومثال ذلك، في حال قررت أن تصلح أمرًا بينك وبين صديق لتتخلص من شعور سلبي تجاهه، وتتصالح مع نفسك، ولكن بعد اتخاذك القرار اكتشفت أنه قد توفي، ماذا ستفعل، حينها لن يجدي جلد الذات شيئًا، كلّ ما عليك فعله هو أن تأخذ وقتك من الحزن، ولا تتهرب منه، وتتقبل حقيقة أن الموت أمر لا يمكن لأي إنسان تغييره أو الوقوف في وجهه.


ما هو التصالح مع النفس؟

يعرّف التصالح مع النفس على أنه تقبل النفس كما هي بسلبياتها وإيجابياتها، ولا يعني تقبل السلبيات قبولها، وإنما الاعتراف بوجودها ليتم تغييرها لاحقًا، إلى جانب تقبل ما لا يمكن تغييره وقبول فكرة أن هناك ظروفًا خارجة عن إرادتنا، وتحمل مسؤولية الأحداث والنتائج التي اخترتها في حياتك والبعد عن إلقاء اللوم على كل ما هو حولك،[٤] والتصالح مع النفس هو معاملة النفس بلطف وحب بعيدًا عن القسوة والإذلال، وقبول الآخرين كما هم باختلافاتهم وبالتناقضات التي يعيشونها، ولا يعني ذلك اشتراط الحب بالضرورة، ولكن عدم الكره لأسباب غير منطقية، إضافة إلى تجنب التنظير وإصدار الأحكام، أو تقديم النصيحة بقسوة أو بطريقة متعجرفة لاعتقادك بأنه أقلّ منك شأناً.[١]


المراجع

  1. ^ أ ب "Reconciliation with the Self", yhareb.com, 6/9/2011, Retrieved 1/2/2021. Edited.
  2. Dr. Missey Davis-Muhammad (8/9/2012), "3 Steps to Self-Reconciliation - Accept Yourself!", ezinearticles.com, Retrieved 2/2/2021. Edited.
  3. Laura Davis (8/2003), " 4 Types of Reconciliation", /www.psychotherapynetworker.org, Retrieved 1/2/2021. Edited.
  4. "reconcile yourself to sth", dictionary.cambridge.org/, Retrieved 1/2/2021. Edited.