الرُهابُ الاجتماعي هو أحد أنواعِ المشاكل النفسية الذي يؤدي إلى الشعور بالخوف الشديد من المشاركة بالمواقف الاجتماعيّة والتحدث مع الناس، أو التعرف على أشخاص جُدد، وذلك خوفًا من التعرض للإحراج أو الانتقاد من الآخرين، ويدرك الأشخاصُ الذين يعانون من الرهاب أنَّ مخاوفهم غير منطقيّة، لكنّهم يشعرون بالعجز حيالَ ذلك، فهو شعور مستمر ومُنْهِك حيث يؤثر على قدرة الشخص على أداء أنشطته اليوميّة المعتادة، كالذهاب للعمل أو المدرسة، لذلك سنسلط الضوءَ في هذا المقال على بعض النصائح والطرق العمليّة التي ستساعدك بالتغلب على الرُهاب الاجتماعيّ.[١]


تحدّى الأفكار السلبية

أوّل ما عليك إدراكه هو أنَّ حياةَ الإنسان هي انعكاسٌ لأفكاره، وأنَّ ما تردده وأنت تتحدثُ مع نفسك يتم تخزينه بالعقل الباطن، ليصبحُ جزءًا من حياتك اليوميّة، ولدى الأشخاص الذين يعانون من الرُهاب الاجتماعي أفكارٌ سلبيّة أدت إلى الشعور بالخوف والقلق، من هذه الأفكار: "أعلم أنني سأبدو كالأحمقِ"، "سيشعر الآخرون أن صوتي يرتعش حين أبدأ بالكلام"، "أبدو كالغبي في نظر الآخرين"، "لن يكونَ لديّ ما أقوله وسأبدو مملًا"، فمواجهة مثل هذه الأفكار سيخفف من أعراض الرُهاب الاجتماعي، ولكي تتمكنَ من ذلك، عليك أن:[٢]

  • تُحددَ الأفكار السلبيّة التي تكمن وراء مخاوفك: إنَّ فهم الأسباب التي أدت إلى الشعور بالقلق أمرٌ مهمٌ، فمعرفة السبب هو الخطوة الأولى لحل المشكلة، لذلك حددْ الأفكارَ التلقائيّة التي تخطرُ ببالك على الفور عندما تتعرض للمواقف الاجتماعيّة، على سبيل المثال: إذا كان لديك مقابلة عمل، ما أول فكرة تخطر ببالك وأنت تستعد لهذه المقابلة، وتجعلك تشعر بالخوف والقلق الشديدين، قد تكون: "لن أتمكن من الحديث بشكل جيد، وسيبدأ صوتي بالارتجاف وسأنسى ما جهزت قوله، وسيعتقد الجميع أنّني غيرُ كفء".
  • تُحلِلَ هذه الأفكار، وتستبدلها بأخرى إيجابيّة: اسأل نفسك بعضَ الأسئلةِ عن هذه الأفكار السلبيّة، مثل: "هل من الضروري أنْ أكونَ غيرَ كفء لمجرد أنَّني توترت عند التحدث"، " هل أنا مُتأكد أنني سأفشل"، ثم استبدل هذه الأفكار بأُخرى إيجابيّة، بقولك مثلاً "كل الأمور ستكون على ما يرام"، "أمتلك الكثير من المؤهلات والخبرات الكافية التي تجعلني مؤهلاً"، وكلما مررت بموقف، وخطرت ببالك فكرة سلبيّة، استبدلها على الفور بفكرة تحفزك، وردها مرارًا وتكرارًا، وحينها ستبدأ تتقن تدريجيّاً مهارة التفكير الإيجابيّ.


ركز على الآخرين لا على نفسِك

يدخل الشخص الذي يعاني من الرُهاب الاجتماعي بحالةٍ من الخوف والارتباك عند التحدثِ مع الآخرين؛ لأنَّه يشعرُ وكأن جميعَ الأنظارِ تتجه حوله، وأنَّ الجميعَ هنا لتقييمه وانتقاده، ويفترض دائماً أنَّ انطباعَهم عنه سيكون حتمًا سلبيّاً، فهو يركز على نظرة الآخرين له مما يجعله متوترًا، لذا عليك أن تركز على الآخرين لا على نفسك، كُنْ حاضرًا بالموقف، حاور، وركز انتباهك على ما يقوله الآخرون، أي باختصار ركز على ما يدور حولك لا على ما يدور في رأسك من أفكار.[٣]


تعلم كيف تتحكم في تنفّسك؟

ضيق التنفس هو من أحد أعراض القلق والتوتر، حيث يشعر الشخص بحالة من الاختناق والضيق، وعليه فيمكنك اتباع هذه الخطواتِ للتحكم بعملية التنفس:[٤]

  1. اجلس جلسةً مريحةً بحيث يكون ظهرُك مستقيمًا.
  2. أرخ كتفيك.
  3. ضع إحدى يديك على صدرك والأخرى على بطنك.
  4. تنفس ببطء من أنفك مدة أربع ثوانٍ، بحيث ترتفع يدك التي على بطنك، وتبقي يدك التي على صدرك ثابتةً.
  5. احبس نفسك مدة ثانيتين، ثم أخرجه من فمك مدة ستِ ثوانٍ.
  6. كرر هذه العملية عدةَ مرات إلى أنْ تشعرَ بالراحة.


واجه مخاوفك

يميلُ الأشخاصُ الذين يعانون من الرُهاب الاجتماعي إلى تجنب مخاوفهم بدلًا من مواجهتها، لكن عليك أنْ تُدركَ أنَّك لنْ تتغلبِ على هذه المخاوف إذا ما لم تُقحمْ نفسك بالمواقف التي تجعلك تشعر بالرهبة والقلق، فاللجوء للتجنب كأداةٍ للتأقلم لن يجديَ نفعًا، فقد أثبت الدراساتُ فعاليّة العلاج بالتعرض في مواجهة مرض الرُهاب الاجتماعي،[٣] وعليه فابدأ بالمشاركة بالمواقف الاجتماعية الصغيرة، التي تضمُ عددًا قليلًا من الناس، كالذهاب إلى مطعم مع عائلتك أو أصدقائك لتعتادَ على تناولِ الطعامِ بالأماكن العامة، أو المشي بالشارع والتواصل البصري مع الناس، وإذا شعرت أنّك بدأت تتأقلم وترتاح، يمكنك بعد ذلك أن تشاركَ بمواقفَ اجتماعيّة أكبر، وهكذا.[٤]


كُنْ صبوراً

إن التغلبَ على الرُهاب الاجتماعي يحتاجُ وقتًا طويلًا، لا تستعجلْ الأمرَ وكُنْ صبورًا، فالتسرع وإقحام نفسك بالمواقف الاجتماعيّة الكبيرة كخطوةٍ أولى بمواجهة مخاوفك، سيعود حتمًا بنتائجَ عكسيّة وهي أن يزيد شعورك بالرهبة والقلق.[٤]


ابذل جهدك لتكون شخصيةً اجتماعيّة

الانخراط في المجتمع والتواصل مع الناس هو أحد أهم الطرق الفعّالة في مواجهة مخاوفك للتغلب على الرُهاب الاجتماعي، انضم إلى بيئات اجتماعيّة تدعمك، كالالتحاق بدورات المهارات الاجتماعية، ومهارات التواصل والذكاء العاطفي، والمشاركة بالأعمال التطوعيّة، وممارسة الرياضات التي تعتمد على التفاعل مع الآخرين ككرة القدم والتنس.[٢]


طرق عملية للتخلص من الرهاب الاجتماعي

التخلص من الرُهاب الاجتماعي يحتاج الكثيرَ من الوقت والممارسة، إليك بعض الطرق العمليّة التي تساعدك على ذلك:[٥]

  • القراءة: اقرأ قصصًا واقتباساتٍ تحفيزيّة تساعدك على التغلب على الرُهاب الاجتماعي، أو قصصًا حقيقيةً عن أشخاص عانوا من اضطرابات القلق الاجتماعي وتغلبوا عليها، وكتبًا عن الحياة بشكلٍ عام، فكلما زادت ثقافتك زادت رغبتك بإحداث التغيير.
  • الضحك: شاهد أفلامًا وبرامجَ كوميديّة، تقرب من الأشخاص المريحين والمتفائلين دومًا، إذ يساعدُ الضحكُ على إفراز هرمون السعادة بالجسم، مما يحسن من الصحة الجسديّة والنفسيّة.
  • المشي بالطبيعة: يعمل المشي بالطبيعة والتنزه خارج البيت على تحسين المزاج، وتهدئة الأعصاب والتخفيف من التوتر.
  • اتباع نظام غذاءٍ صحي: يؤثرُ نوع الطعام بشكلٍ مباشرٍ على مشاعرك وتفكيرك، لذلك احرص أنْ يكونَ غذاؤك صحيًّا، غنيًّا بالعناصر المهمة، وتجنب الإكثار من الكافيين والسكر.
  • خوض المغامرات: جرب أشياء جديدةً، كرُكوبِ منطاد هوائي أو تسلق الجبال.
  • النوم لعدد ساعات كافيّة: يُعد النوم قوة عظمى لما له من تأثير كبير على مزاجِ الإنسان وصحته العقلية، لذلك فإنَّ اضطراباتِ النوم تؤدي إلى الكثير من المشاكل كزيادة التوتر والقلق.


تلقى العلاج

في حال قمت بتجربة النصائح والخطوات الذاتيّة التي ذكرناها ولم تشعر بالتحسن، وما زلت تعاني من اضطرابات القلق الاجتماعي، فهذا يستدعي اللجوء إلى طبيبٍ مختصٍ لتلقي العلاج الذي يشمل العلاج النفسي والطبي، حيث يعتمد العلاج النفسي على العلاج المعرفي السلوكي، إذ يُعد من أفضل العلاجات التي أثبتت فعاليتها في التغلب على الرُهاب الاجتماعي، ويقوم العلاج المعرفي السلوكي على مبدأ أنَّ أفكارَ الإنسان تنعكسُ على مزاجه وسلوكه، ومن خلال التحكم بأفكاره يمكنه التحكم بنفسه، وأول خطوةٍ في هذه العلاج هي تحديد المعتقدات والأفكار السلبيّة التي يخزنها الشخص بعقله الباطن، ومساعدته على إعادة صياغتها واستبدالها بأفكار إيجابيّة داعمة تحفزه وتدفعه للمحاولة وعدم الاستسلام، أما العلاج الطبي يعتمد على استخدام الأدوية للتخفيف من الأعراض المُصاحبة للرُهاب الاجتماعي، لكن لا يمكننا الاعتماد على الدواء لوحده لعلاج هذه الحالة، بل يجب المزج ما بين الدواء والعلاج النفسي ووسائل المساعدة الذاتيّة.[٢]


المراجع

  1. "Social Anxiety Disorder", heaithline, Retrieved 9/2/2021. Edited.
  2. ^ أ ب ت "Social Anxiety Disorder", HelpGuide, Retrieved 9/2/2021. Edited.
  3. ^ أ ب Chloe Brotheridge (17/7/2020), "12 Powerful Ways to Help Overcome Social Anxiety", Psychology Today, Retrieved 9/2/2021. Edited.
  4. ^ أ ب ت "7 Tips for Living With Social Anxiety", WebMD, Retrieved 9/2/2021. Edited.
  5. Arlin Cuncic (20/3/2020), "Social Anxiety Activities to Get Better", verywellmind, Retrieved 10/2/2021. Edited.