لا يوجد تعريف محدّد للنجاح يتبعه كل الناس، ففي الوقت الذي يعتقد فيه البعض بأن النجاح هو الثراء والاستقرار المادي، يرى آخرون بأنّ النجاح هو النجاح الاجتماعي، ودائرة علاقات اجتماعية كثيرة ومتنوعة، وهناك من يرى بأن النجاح كلمة تختصر أكثر من معنى، والوصول إلى مستوى عالٍ من الاستقرار في أكثر من جانب في الحياة، وبصرف النظر عن الاختلاف في تعريف كلمة النجاح يظلّ لهذه الكلمة بريق يأسر القلوب والعقول، ومن منّا لا يرغب في النجاح؟، وفي تحقيق أهدافه وأمانيه؟، وحتى لو مررت بمحطات فشل يجب ألّا تيأس، إذ إنّ الناجحين مروا بهذه المحطّات على اختلاف ظروفهم والصعوبات التي مروا بها، وهذا المقال سيقدّم لك بعضًا من قصص النجاح الملهمة، منها ما يتعلق بالنجاح في تجاوز العوائق النفسية والمجتمعية، ومنها ما يتعلق بتخطي العوائق المادية والجسدية، والهدف منها بثّ الأمل في نفسك، فما دام أن هؤلاء استطاعوا لماذا لا تستطيع؟، وما دام أنهم تركوا قصة حياة ناجحة، لماذا لا تكون أنت الشخص القادم الذي يدوّن قصة حياته الناجحة؟.


من واقع مؤلم وقاس إلى واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرًا في العالم

ولدت الإعلاميّة الأمريكيّة أوبرا وينفري في الولايات المتحدة الأميركية عام 1953م، انفصل والداها وهي صغيرة، فذهبت لتعيش عند جدتها وجدها، وأول تحدٍ قابلته أوبرا في حياتها شعورها بأنها غير مرغوب بها، وأنها أتت إلى الدنيا دون حب أو احتواء، أمّا التحدي الثاني فهو الشعور بالوحدة، فجدتها كانت تعمل طوال اليوم وجدها كان مصابًا بالخرف، تقول أوبرا في كتابها (ما أعرفه على وجه اليقين) أنها ابتكرت طرقًا لتتعايش مع وحدتها، فقد كانت تتسلّى بالكتب والدمى، وتقوم بالأعمال المنزلية، وتتحدث مع حيوانات المزرعة وتعطيها أسماءً، وهكذا تعلّمت أوبرا أولى الخطوات لمواجهة الحياة وحدها.


وعندما التحقت بالمدرسة تعرّضت لكل أنواع الاحتقار والسخرية، تارةً بسبب ملامحها، وتارةً بسبب لون بشرتها، خاصة أن المجتمع الذي عاشت فيها في ذلك الوقت كان يميز بين البيض والسود، فكانت تشعر بأنّها غريبة عن المجموع، وليست محط ترحيب أو اهتمام من المحيطين، وعلى الرغم من الواقع القاسي الذي كانت تعيشه في المدرسة وفي المنزل كانت طالبة مجتهدة، وقد حصلت على منحة جامعية، وقد كانت قوتها الداخلية وإيمانها بالله وبنفسها أقوى من كل العراقيل التي واجهتها.


ومن هنا يمكن القول إن أوبرا قد بدأت بشق طريقها وحدها نحو النجاح والشهرة، وقد بدأت رحلتها في المجال الإعلامي كمراسلة صحفية، ثم انتقلت إلى البرامج الحوارية، وقد حققت نجاحًا كبيرًا على مستوى العالم بسبب شخصيتها الفريدة، وأسلوبها المتمكن في الحوار، ومن أهم إنجازات أوبرا برنامجها (Oprah show)، الذي كان يسلّط الضوء على مجموعة من القضايا الإنسانية والاجتماعية في المجتمع الأمريكي، ولم يتوقف تأثير أوبرا عند هذا البرنامج فقط بل تعداه إلى سلسلة من الرحلات والجولات والأعمال الخيرية لتصبح واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرًا في العالم، ومن أكثرها ثراء أيضًا.


كتبت أوبرا كتابًا عن حياتها أسمته "ما أعرفه على وجه اليقين" -كما ذكر سابقاً-، عرضت فيه أهم المراحل التي ساهمت في تكوين شخصيتها"، وتقول فيه: "هدفي الأساسي والأهم في هذه الحياة هو أن أظل على اتصال بالعالم الروحاني، كل شيء آخر سيتولى رعاية نفسه، كن مطمئنًا لوجود رب لهذا الكون"، وتقول: "كل تحدٍ نقبله قد يجعلنا نجثو على ركبتينا، لكن الشيء المقلق أكثر من الضربة العنيفة نفسها هو خوفنا من أننا لن نحتمل الأمر، عندما نشعر بأن الأرض تتحرك من تحت أرجلنا نشعر بالذعر، ننسى كل شيء نعرفه ونسمح للخوف بأن يصيبنا بالجمود، وهذا التفكير كافٍ ليصيب الإنسان بالجمود، ولكن الشيء الذي أعرفه على وجه اليقين هو أن الطريقة الوحيدة لتحمل الهزة هي أن تعدل مركزك، لأن هذه التجارب هي هدايا تجبرنا على الانعطاف إلى اليمين أو إلى اليسار بحثًا عن مركز ثقل جديد، لا تقاومها، دعها تساعدك لتعدل موضع قدمك".


أحمد الشقيري ودافع التغيير المتجدد

من منّا لم يسمع عن برنامج خواطر الذي كان يقدّمه أحمد الشقيري على مدى 11 سنة، يعدّ هذا البرنامج من أشهر البرامج الهادفة في العالم العربي التي ساهمت في توجيه أنظار الكثيرين نحو التغيير، وأحمد الشقيري هو إعلامي سعودي، ومُخرج، ومعدّ ومقدّم برامج، من مواليد سنة 1973م سافر إلى الولايات المتحدة الأميركية، وحصل على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة كاليفورنيا.


الشقيري قال في إحدى مقابلاته إنه لم يكن ملتزمًا كثيرًا في شبابه، ولكنه كان يركز على الجانب الأخلاقي، وفي عام 1994 عندما كان عمره 21 عامًا قرّر أن يصلّي لأول مرة، ويتذكّر هذه الصلاة جيدًا فقد كانت صلاة العصر، وقد كانت هذه النقطة هي نقطة التحوّل الكبيرة في حياته، فالتزم بصلاته، وأتبعها بسلسلة من التغييرات والتحوّلات الجوهرية، وواظب على القراءة، ثم الإقلاع عن التدخين، ثم الالتزام بممارسة الرياضة، والالتزام بتناول الأكل الصحيّ.


وفي عام 2002 بدأت مسيرة الشقيري الإعلامية، في برنامج يلا شباب وكان يحاور مجموعة من الشباب، وقد سلّط الضوء على قضايا مهمة تخص الشباب بشكل جاذب، ولكن المحطة الأبرز إعلاميًا في حياة الشقيري هي برنامج خواطر الذي سبقت الإشارة إليه، وإلى جانب خواطر، قدّم الشقيري برامج أخرى، مثل: (لو كانَ بيننا)، و( قُمرة)، و(إحسان من الحرم)، و (إحسان من المستقبل)، و(سين) أيضاً، وقد ألّف كتبًا وشارك في العديد من النشاطات والأحداث الثقافية، ونال العديد من الجوائز وآخر كتاب صدر له هو كتاب (أربعون)، الذي لخّص فيه تجربة أربعين يومًا قرر أن يقضيها في جزيرة معزولة بلا وسائل تواصل اجتماعية، وبعيدًا عن كل من يعرفه، وقد وصفها بالخلوة التي راجع فيها حساباته وتعرّف فيها على نفسه أكثر، وهكذا تكللت رحلة أحمد الشقيري بالنجاح لأنه استجاب إلى لحظة النور الأولى التي شعر بها وجعل عنوان رحلته الالتزام والاستمرار.


لم تكن الإعاقة يومًا في الجسد

بعد الانتهاء من قراءة هذه القصة ستعرف أنّ الإعاقة هي انحراف التفكير، والتقوقع، وعيش دور الضحية، والاستسلام، وليست كما يُشاع بأنها فقد الإنسان لأحد أعضاء جسمه، بطل هذه القصة هو نيك فويتتش الذي غير حياته من إنسان فاقد لأطرافه إلى واحد من أكبر المؤثرين والتحفيزيين في العالم، وبدأت رحلته عندما عرضت له أمه صورة لرجل مصاب بعجز حاد ولكنه تعامل مع عجزه بصبر وتحمّل، عندها شعر نيك أنه ليس الوحيد الذي يتحدى في هذا العالم، وقد بدأ رحلته بتعلم الكتابة باستخدام أصابع قدمه الصغيرة الظاهرة أسفل جذعه، كما تعلم كيف يعتني بنفسه، وكيف يرد على الهاتف، وتعلّم السباحة، وكرة التنس، والعزف على الطبل، وعندما أصبح في الصف السابع تعاون مع زملائه في المدرسة لتنظيم مخيمات تُعنى بالتوعية حول موضوع العجز والإعاقة.


أسس نيك منظمة غير ربحية أسماها (الحياة بدون أطراف) في عمر السابعة عشرة، وألقى محاضرات تحفيزية حول العالم، فكان من أبرز الشخصيات المؤثرة التي تعطي أملًا وحافزًا للكثيرين، إلى جانب ذلك تزوج نيك وأصبح أبًا لطفلين، ويقدّم نصيحة للعالم يقول فيها: "إننا في هذه الحياة أمام خيارين: الأول هو أن نحاول، والثاني أن نفشل ونيأس، وعلينا أن نختار"، كما يقول: " أبتسم دائمًا وهذا سر سعادتي وهذا ما يجعلني أتقدّم إلى أقصى حدّ يمكنني أن أصل إليه"، نيك أثبت للعالم أنّ الإنسان يستطيع إذا أراد أن يكسر كل القيود، وأن أكبر سجن يمكن أن يسجن الإنسان فيه نفسه هو الأفكار السلبية، فلا يوجد عدو أكبر منها يعيق الإنسان عن تحقيق أحلامه.


قهر الكلب الأسود

قد تتعجّب من هذا العنوان، ولكن الكلب الأسود هو مرادف لمرض الاكتئاب، المرض الذي يعشش في روح الإنسان، وتلافيف عقله، ويتسرب بخبث إلى أجزاء جسده، حتى إن بعض من عاشوا تجربة الاكتئاب ونجحوا في تجاوز هذا المرض يقولون إنّ الاكتئاب أخطر من أخطر مرض جسدي ممكن أن يصيب الإنسان، تقول بطلة هذه القصة إنها كانت تعاني من مرض الاكتئاب وقد ذهبت إلى الطبيب وشخصها بأنها مريضة اكتئاب وقلق، وتصفهما بأنهما متلازمان يرافق أحدهما الآخر، وقد مرّ وقت طويل دون أن تخبر فيه أحدًا بأنها كانت تخاف من كل ما يحيط بها، وبأنها تشعر بأن هناك أمرًا سيئًا سيحدث لها، وعلى الرغم من أنها حاصلة على درجة الماجستير في الإعلام، وقد تقلدت مناصب مهمة على صعيد العمل، إلا أنّ ذلك لم يساعدها في مواجهة هذا الشعور، وقد اعتقدت لمدة أن أصابتها بالاكتئاب يعني أنها شخصية ضعيفة، لذلك لم تخبر أحدًا بحقيقة ما تمر به.


بدأت رحلتها مع مشاعر الاكتئاب، بفقدان الشغف في ما هو حولها، والأرق، والشعور بالعزلة، وبالاستنزاف، ولكنها كانت تتحايل على الأفكار التي تقول بأنها مريضة اكتئاب، وكانت تخبر نفسها بأنها امرأة قوية، وقادرة على النهوض مجددًا، والاستمرار في رحلة الحياة بقوة ونشاط، إلى أن أتاها خبر غيّر طريقة تفكيرها وهو وفاة ابن أخيها منتحرًا بعد معاناته مع القلق والاكتئاب، وعلى الرغم من أن علاقتها بابن أخيها كانت قوية جدًا إلا أنه لم يخبرها بمرضه بسبب خوفه من عدم تقبّل من هم حوله بما يشعر به، وخوفه من أن يُكتشف أمره؛ لاعتقاده بأن الشعور بالاكتئاب هو وصمة عار تصيب صاحبها.


وبعد هذا الحدث قررت أن تواجه هذا المرض وأن تنجح في التخلص منه، فلن تسمح له بأن يكون السبب في إنهاء حياتها، وعندها ذهبت إلى الطبيب وتقبلت التشخيص وبدأت رحلة العلاج، وبدأت تطبق الخطوات اللازمة للتعامل مع القلق والاكتئاب، حيث اهتمت بممارسة الرياضة، وتناول الغذاء الصحي، لأنها عوامل مساعدة في تخطي الاكتئاب، حتى نجحت مع الإصرار والمداومة في تخطي هذا الشعور، ولعل قصص النجاح في تخطي الأمراض النفسية من أهم الأمور التي يجب المرور عليها، لأنها تعطي دافعًا للإنسان الذي يعاني في صمت لكي يطلب المساعدة إذا احتاجها، فليس مطلوبًا من أي إنسان أن يكون وحيدًا دائمًا، وليس للأمراض النفسية أية علاقة بالضعف، فالمرض له علاج، ويمكن الشفاء منه، ولكن المرض الحقيقي هو الانصياع لصورة نمطية سائدة في المجتمع تصف المريض النفسي بالجنون مثلاً، لقلة الثقافة والاطلاع تارةً، ولترديد جمل جاهزة اعتادها المحيط دون تفكير تارة أخرى.


سليمان الراجحي من افتراش الحصى إلى واحد من أشهر أثرياء العالم

سر نجاحه هو الاستمرار والكفاح للوصول إلى الاستقلالية، بطل هذه القصة هو سليمان الراجحي صاحب سلسلة بنوك الراجحي المعروفة، بدأ رحلته في التاسعة من عمره، وكان يعمل عتالًا في أحد أسواق الرياض، وبعد أربعة أعوام انتقل إلى العمل في جمع التمر من النخيل مقابل ستة ريالات في الشهر، وكان ينام على الحصى في مكان العمل، وقد تنقل في وظائف مختلفة بعد ذلك.


عمل سليمان الراجحي طاهيًا، وبائعًا في محلات الجملة، وأخيرًا وبعد صبر وكفاح تمكّن من افتتاح محل بقالة خاص به، ولكنه باعه بعد ذلك عندما أراد الزواج فلم يتحمل أحد معه تكاليف زواجه، انتقل بعدها للعمل مع شقيقه صالح الراجحي في شركة الصرافة الخاصة به سنة 1956، وفي عام 1970 انفصل عن أخيه وتوسعت مصارفه، لتصبح أكثر من ثلاثين فرعًا داخل السعودية فقط، وبحسب الإحصائيات وصلت ثروة الراجحي إلى سبعة مليارات دولار قرر أن يقسمها بين أولاده وبين الجمعيات الخيرية، وهكذا قلب الراجحي قصة حياته من قصة شاب فقير يعمل مقابل ستة ريالات في الشهر إلى اسم صعب في عالم الثراء لا يمكن تجاوز قصته.


كلمة أخيرة

عادةً، عندما يُقال فلان ناجح يُنظر إلى ثروته أو إلى المنصب الذي وصل إليه بعين الانبهار، وقد يظن البعض أن النجاح أمر سهل، أو أن شخصًا قد ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، أو أن الحظ قد لعب دوره في حياته، ولكن الحقيقة أن النجاح ما هو إلا تخطيط وكتابة أهداف، وتصميم، وإرادة، وقبل ذلك التسلح بالإيمان الكافي لتخطي العقبات، إذًا الحظ ليس الكلمة المناسبة التي يجب أن يتسلح بها الناجحون، وكل القصص السابقة تؤكّد على ذلك، وهناك العديد العديد من قصص النجاح الأخرى التي لا يتسع المقال لذكرها، هذا فضلاً عن أن النية والإرادة والصبر جميعها لا تشترى بالمال، وهذا يعني أن الإنسان يمكنه أن يبدأ من الصفر.


وإذا كنتَ لا تعرف من أين تبدأ، اسأل نفسك سؤالًا واحدًا واستمع إلى الإجابة التي تأتيك، ماذا أريد من هذه الحياة؟، لأن معرفة سبب وجودك في الحياة يعني معرفة الهدف ومعرفة الهدف يقودك إلى كتابة الخطة ثم التنفيذ والنجاح، فالشخص الثري كان يعرف في داخله بأنه لا يريد الفقر وسيصبح يومًا ما ثريًا، والشخص الذي فقد أطرافه كان يعرف أن العائق الحقيقي ليس في الجسد، والشخص الذي قرر أن يبدأ برسالة التغيير والتنوير، كان يعرف في قرارة نفسه أنه يريد ذلك، والأمر نفسه مع الذي نُبذ واُستحقر وتعرّض للتمييز العنصري أو غيرها من أشكال البلاءات، إذ كان يعرف بأن هذه العقبات وُجدت لتزيد قوته ولتأخذ بيده نحو الاستقرار والسعادة، إذًا الأمر أيضًا يتعلق باختيار الإنسان لطريقة الحياة التي يريدها، قرر أنت ماذا تريد؟ هل ستعيش دور الضحية الذي نبذته الحياة ومن يختبئ خلف حجة الحظ العاثر، أم ستعيش دور البطل الذي سيكافح ويخطط ويصبر ليصل إلى هدفه؟، القرار قرارك.