يواجه الإنسان في رحلة حياته العديد من المواقف، منها ما هو إيجابيّ يجلب له السعادة والاستقرار النفسي، ومنها ما هو سلبيّ يحمل في طياته الكثير من الصعوبات والتحديات، مما ينتج عنه صدمة نفسيّة كرد فعل طبيعي، حيث يمكنه تجاوزها مع مرور الوقت، لكن في بعض الأحيان يكون تأثير هذه المواقف حادًا إلى درجة تعيق الإنسان عن ممارسة حياته الطبيعية وتستمر معه لفترات طويلة، فما المقصود بالصدمة النفسيّة؟ وما أسبابها؟ وكيف يمكننا التعامل معها؟ في هذا المقال سوف نجيب عن كل هذه التساؤلات.


ما المقصود بالصدمة النفسيّة؟

تُعرف الصدمة النفسيّة على أنَّها الاستجابة العقليّة والعاطفيّة لحدث أو تجربة سيئة، مثيرة للخوف، مؤلمة، مهددة للحياة، والتي تتمثل بحدوث مشاعر سلبية كالشعور بالغضب، أو الحزن، أو القلق والتوتر، أو الشعور بالذنب، أو عدم القدرة على الوثوق بالآخرين، وقد يمتد أثرها على حياته ككل، ويختلف تأثير المواقف السيئة على الأشخاص تبعًا لطبيعتهم البشريّة، وصحتهم الجسديّة والعقليّة، وتجاربهم السابقة، ومهارات التأقلم لديهم، ومستوى الدعم الاجتماعي والعاطفي الذي يتلقونه في وقت وقوع الأحداث الصادمة. [١]


أسباب الصدمة النفسيّة

تجدر الإشارة أولًا إلى أن الصدمة ترتبط غالبًا بالمعاناة من الحدث بشكل مباشر كتعرض الشخص نفسه لمحاولة قتل مثلًا، لكن من الممكن أنْ يؤثر الحدث على أحدهم بشكلٍ غير مباشر كمشاهدة شخص آخر يتعرض لجريمة قتل،[٢] وفيما يلي عرض للأسباب المؤدية للصدمة النفسيّة على حسب تكرار حدوثها:[٣]

  • أحداث المرة الواحدة: وهي التي تحدث لمرة واحدة مثل الحوادث، الجروح، الاعتداء الجسدي أو الجنسي.
  • الأحداث المُقلقة المستمرة: وهي التي يتكرر حدوثها أو تستمر لفترة طويلة، كالعيش بجانب جار غير سوي وله أسبقيات، أو محاربة أحد الأمراض الصعبة، أو التعرض المستمر للتنمر، أو العنف، أو الإهمال.
  • المواقف التي تم التغاضي عنها: كإجراء العمليات الجراحيّة خصوصًا في الأعوام الثلاثة الأُولى من الحياة، أو وفاة شخص قريب بشكلٍ مفاجئ، أو الانفصال وقطع العلاقات بأشخاص مهمين ولا سيما عندما يتصرف الشخص الذي كان يعني لك الكثير بشكل قاسٍ.


ويكون تأثير هذه الأحداث الصادمة المحتملة أشد وطأة بحيث تترك الفرد يعاني من صدمة نفسيّة وعاطفيّة طويلة الأمد إذا:[٤]

  • كان الفرد غير مستعد لهذا الحدث.
  • وقع الحدث فجأة.
  • إذا كان الحدث ينطوي على قسوة شديدة.
  • شعر الشخص بالعجز الكامل عن منع وقوع الحدث.
  • إذا وقع الحدث خلال سنوات الطفولة.


وفيما يلي المزيد من الأمثلة على المواقف التي من شأنها أنْ تُدخلَ الإنسان بحالة من الصدمة النفسيّة:[٤]

  • الكوارث الطبيعيّة، مثل الزلازل والحرائق والأعاصير.
  • أعمال العنف، كالسطو المسلح، أو الحرب، أو الإرهاب.
  • العنف بين الأشخاص وفي العلاقات، كالاغتصاب، وإساءة معاملة الأطفال، أو انتحار أحد الأقارب أو الأصدقاء.
  • انتهاء العلاقات، كالطلاق، أو الخلافات بين الأهل أو الأصدقاء التي تؤدي إلى الجفاء والهجر.
  • الموت المفاجئ أو غير المتوقع لأحد المقربين.
  • تشخيص حالة أو وضع صحي معيق أو مهدد للحياة.
  • التعرض للسقوط والإصابات، كالتي يتعرض لها لاعبو كرة القدم.
  • التعرض لتجارب فاشلة ومُحبطة ومُذهلة إلى حد كبير.


كيفية التغلب على الصدمات

تستمر أعراض الصدمة عادةً من بضعة أيام إلى بضعة أشهر، وتتلاشى تدريجيًّا أثناء معالجة الحدث المزعج، ولكن حتى عندما تشعر بالتحسن، فقد تشعر أحيانًا بالانزعاج من وقت لآخر بسبب التعرض لمحفزات للذكريات المؤلمة، كالذكرى السنوية للحدث، أو مواجهة شيء ما يذكرك بالصدمة، ولكي تتجنبَ تفاقم أعراض الصدمة النفسيّة والتي قد تؤدي إلى جعلك غير قادر على المضي قدمًا في الحدث لفترة طويلة من الوقت، ولتجنب اضطرابات ما بعد الصدمة، عليك اتباع النصائح التالية:[٣]


1- تحركْ

تؤدي الصدمة إلى تعطيل التوازن الطبيعي لجسمك، كإفراز بعض الهرمونات على نحو غير طبيعي، مما يضعك بحالة من الجمود بسبب التوتر والخوف الشديدين، والحل الأمثل لإصلاح جهازك العصبي هو الحركة، لذا احرص على ممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقةً يوميًا، إما مرة واحدة، أو على عدة دفعات، ويُفضل أن تمارس التمارين التي يتم فيها تحريك الذراعين والساقين، كالجري، والمشي، والسباحة، وكرة السلة، والملاكمة، مع إضافة عنصر اليقظة، فبدلًا من التركيز على أفكارك التي من شأنها أنْ تشتتَ انتباهك أثناء ممارسة الرياضة، ركز على حركات جسمك، أو إيقاع أنفاسك، أو حتى ضرب قدميك بالأرض، أو الشعور بالهواء على جسدك.


2- تجنبْ العزلة

يميلُ كثير من الأشخاص الذين عانوا من الصدمة إلى العزلة، إذ يجدون صعوبة في التعامل مع الآخرين، مما يزيد الأمر سوءًا، لذلك عليك أنْ تعمل جاهدًا للحفاظ على علاقاتك، وتجنب قضاء الكثير من الوقت بمفردك، حيث إنَّ التواصل مع الآخرين وجهًا لوجه يساعدك على التخلص من الصدمة، وعليه إذا كنت قد انسحبت من العلاقات التي كانت مهمة بالنسبة لك، قم بإعادة الاتصال معهم، وكما يجب أنْ تشاركَ في الأنشطة الاجتماعية حتى لو كان ذلك آخر ما تود فعله، وابحث عن أشخاص واجهوا نفس مشاكلك واستطاعوا التغلب عليها، مما يعطيك دفعة من الإلهام، والحافز، والأمل بأنَّ هذه الحالة لن تدومَ وستستطيع التغلب عليها، بالإضافة إلى ذلك قم بالمشاركة بالأعمال التطوعيّة، فالتطوع طريقة رائعة لتحدي الشعور بالعجز الذي غالبًا ما يصاحب الصدمة، حيث إنَّ مساعدة الآخرين تُذكرك بنقاط القوة لديك.


3- أطلق مشاعرك السلبية

بغض النظر عن مدى الشعور بالضيق، والقلق، والخروج عن السيطرة، من الضروري أنْ تدركَ أنَّه بإمكانك تهدئة نفسك، وتغيير نظام الإثارة لديك، بحيث تتخلص من هذه المشاعر السلبيّة، وسيتولد لديك إحساس أكبر بالسيطرة، وذلك من خلال ممارسة التنفس العميق مع تركيز انتباهك على كل زفير تطلقه، وكما يُمكنك تجربة تقنيات مختلفة سريعة لتخفيف التوتر، حيثُ إنَّ كل شخصٍ يستجيب للمدخلات الحسيّة بشكل مختلف قليلًا عن الآخرين، ومن هذه المدخلات الحسيّة: شم رائحة ما، أو تذوق طعم معين، أو الاستماع إلى الموسيقى، أو اللعب مع حيوان أليف، وغيرها، والأهم من ذلك كله هو أنْ ألّا تقمعَ مشاعرك، بل اسمح لنفسك أنْ تشعرَ بما تشعر به عندما تشعر به، واعترف بمشاعرك وتقبلها، فمن الطبيعي مثلًا أنْ تحزنَ عند وفاة شخص عزيز عليك وأنْ تُعبرَ عن حزنك بطريقتك الخاصة، ولذلك اسمح لنفسك بإطلاق هذه المشاعر لأنَّ قمعها لن يساعدَك على تجاوزها.


4- اعتنِ بصحتك

إنَّ التمتع بجسم سليم يزيد من قدرتك على التغلب على الصدمات، وعليه احرص على تناول نظام غذائيّ متوازن، كي تحافظَ على طاقتك وتتخلص من تقلبات المزاج، وتجنب الأطعمة المقلية والسكرية، وتناول الأطعمة الغنية بالأوميغا 3 كالسلمون، والجوز، وفول الصويا، وبذور الكتان، وكما يجب أنْ تحصلَ على قسط كافٍ من النوم، فاضطرابات النوم تؤدي إلى تفاقم أعراض الصدمة، وتحدث خللًا في توازنك العاطفي، وعليه اتبع روتينًا صحياً بالنوم بحيث تنام وتستيقظ بنفس الوقت يوميًّا وبمعدل 7-9 ساعات.


المراجع

  1. "What is Trauma", centerforanxietydisorders, Retrieved 4/4/2021. Edited.
  2. "Trauma Symptoms, Causes and Effects", psychguides, Retrieved 4/4/2021. Edited.
  3. ^ أ ب "Emotional and Psychological Trauma", helpguide, Retrieved 4/4/2021. Edited.
  4. ^ أ ب "SYMPTOMS, SIGNS & EFFECTS OF PSYCHOLOGICAL TRAUMA", cascadebh, Retrieved 4/4/2021. Edited.