مفهوم الشخصية الهستيرية

تعدّ الشخصية الهستيرية (HPD) اضطرابًا نفسيًا يُعرف باضطراب الشخصية التمثيلي أو شبه الهستيري (Histrionic personality disorder)، وهو أحد اضطرابات المجموعة ب التابعة لمجموعة أكبر من الاضطرابات النفسية المختلفة، ويتصف المصابون بها بإظهارهم لانفعالات عاطفية مبالغ بها، وقد تصدر منهم تصرفات أو سلوكيات غريبة نوعًا ما، وتجدر الإشارة إلى أنّ المصابين باضطراب الشخصية الهستيرية، يعتمدون في تقدير ذاتهم واحترامها على احترام الآخرين لهم، الأمر الذي يدفعهم إلى لفت انتباه الآخرين والسعي في جعل أنفسهم مركزًا للاهتمام من خلال تصرفات تبدو لمن يتعامل معهم أقرب إلى التمثيل منها إلى الحقيقة.[١][٢]


أعراض اضطراب الشخصية الهستيرية

يلجأ المصابون باضطراب الشخصية التمثيلي إلى إظهار تصرفات أو سلوكيات غير طبيعية تُعبر عن حاجتهم لاهتمام الآخرين بهم، دون أن يلاحظوا أنهم يُعانون من أي مشكلات نفسية حقيقة، لذلك يُمكن تمييزهم من خلال عدة علامات تظهر لديهم في مواقف مختلفة،[١] منها ما يأتي:

  • يظهرون للآخرين ضعفهم، وقلة حيلتهم لاستعطافهم والتلاعب بهم، وقد يميلون إلى التهديد بقتل أنفسهم.[١]
  • ردات فعل عاطفية تبدو على الأغلب سطحية والهدف منها سرقة الأضواء ولفت الانتباه في المكان الذي يتواجدون فيه.[١]
  • الميل إلى الأنانية، وعدم إعطاء الآخرين ما يستحقونه من الاهتمام.[٣]
  • يتصرفون غالبًا دون تفكير، ويتسرعون في اتخاذ القرارات، فيُلاحظ على أن السلوك الذي يصدر عنهم سلوك متهور.[٣]
  • الاعتماد على الجمال الخارجي، وإبراز هذا الجمال بكل الطرق، واستغلاله في لفت انتباه الآخرين إليهم.[٤]
  • يُلاحظ على أصحاب هذا الاضطراب سعيهم الدائم لإرضاء الآخرين، والشعور بالانزعاج عند إهمالهم أو تجاهلهم، أو توجيه الاهتمام إلى سواهم.[٤]
  • يتأثرون بآراء الآخرين بسهولة، وآراءهم تتشكل اعتمادًا على آراء الآخرين ورغباتهم، إذ يُلاحظ عليهم أنّهم يطرحون وجهات نظرهم في الأمور دون أيّ دليل أو سبب واضح يُفسر رأيهم، لأنّه على الأغلب مستمد من الآخرين.[٤]
  • يعتقدون أو يتخيلون بأنّ علاقاتهم العاطفية عميقة وودودة أكثر ممّا قد تبدو عليه فعليُا؛ إذ إنّ هذا الحب قد لا يكون موجودًا، أو قد لا يُلاحظ لدى الطرف الآخر.[٤]
  • عند اتخاذهم لأي قرار أو فعل معين، يحتاجون إلى تدعيم الآخرين له، والموافقة عليه، ليمنحهم ذلك شعورًا أكبر بالأمان.[٥]
  • انزعاجهم الشديد من انتقادات الآخرين الموجه لهم، أو إعراض الآخرين عنهم وعدم تقبلهم.[٥]
  • لا يتحملون مسؤولية ارتكابهم للأخطاء، أو تعرضهم للفشل، بل يلومون الآخرين على ذلك، لاعتقادهم أنهم السبب في كل ما يحدث لهم من مشكلات.[٥]


أسباب الإصابة باضطراب الشخصية الهستيرية

بالرغم من أنّ السبب الرئيسي المسبب لهذا الاضطراب غير معروف إلى الآن، إلا أنّ بعض العوامل البيئية والوراثية تلعب دورًا في إصابة الشخص به، وهي كما يأتي:[١][٦]


عوامل بيئية

من العوامل البيئية التي قد تُؤدي إلى إصابة الشخص باضطراب الشخصية التمثيلي ما يأتي:

  • افتقار المصاب للتوجيه الصحيح في مرحلة الطفولة، وذلك يتضمن عدم انتقاد الوالدين لتصرفاته أو عقابه على السلوكيات المرفوضة أو الخاطئة.
  • حصول الطفل على المكافآت التحفيزية من والديه، فقط عند ممارسته لسلوك محدد.
  • تعرض الطفل لأسلوب تربوي مضطرب، على الأغلب أنّ الوالدين في هذه الحالة، يُوجّهون طفلهم لممارسة سلوكيات متناقضة، تجعل الطفل في حيرة من أمره، فلا يعود قادرًا على تمييز السلوك الصحيح الذي ينبغي عليه فعله من الخاطئ الذي ينبغي تجنبه.
  • البيئة المحيطة بالطفل؛ كطبيعة العلاقات التي تربطه بالآخرين.


عوامل وراثية

إنّ بعض الخصائص الوراثية المسببة لاضطراب الشخصية التمثلي ينتقل إلى الطفل من والديه عبر الجينات، بالإضافة إلى أنّ الإصابة بهذا الاضطراب قد تكون نتيجة امتلاك العائلة تاريخ مرضياً في الإصابة باضطرابات نفسية أخرى مختلفة.[١]


علاج اضطراب الشخصية الهستيرية

قد لا يُلاحظ المصابون بهذا الاضطراب أنهم يعانون من اضطراب نفسي، بل ينظرون إلى تصرفاتهم وسلوكياتهم على أنّها طبيعية، فلا يستطيعون إدراك مدى حاجتهم للعلاج، لكنهم قد يلجؤون أحيانًا إلى طلب المساعدة ممن حولهم عند شعورهم بالكآبة أو اليأس، وقد يحدث ذلك عند تعرضهم لمشكلات أثارت فيهم حزنًا شديدًا، أو عند انهيار علاقاتهم العاطفية، وبسبب نفورهم من فعل الأشياء مرارًا وتكرارًا، والملل من الروتين، فإنّه من الصعب عليهم إلزام أنفسهم بخطة علاجية معينة، والاستمرار في اتباعها، والسير وفقًا للإجراءات أو التعليمات الطبية المحددة.


إنّ المصابين بهذا الاضطراب أكثر استجابة للعلاج النفسي؛ إذ يُركز العلاج النفسي على مساعدتهم في فهم تصرفاتهم وأفكارهم، والمخاوف التي تتحكم بها أو تُحفزها، وإدراك السلوكيات التي تصدر منهم نتيجة لرغبتهم في لفت الانتباه، وكيفية تحويل هذه السلوكيات إلى تصرفات حقيقة، نابعة من دواخلهم، بالإضافة إلى تدريبهم على التواصل الإيجابي والفعال مع الآخرين، وكيفية تكوينهم لعلاقات صحية.[٧]


قد يوصف الدواء للمصابين باضطراب الشخصية التمثيلي للتخفيف من الأعراض الخطيرة التي قد تظهر لديهم، والتي عادة ما ترافق هذا النوع من الاضطرابات النفسية، ومن الأمثلة عليها؛ القلق والاكتئاب، والجدير بالذكر أنّ الدواء الموصوف غير فعال في معالجة الاضطراب بحد ذاته، لكنّ الخضوع إلى علاج طبي طويل الأجل، سيُساعد المصابون في السيطرة على أعراضه.[٧]


تجدر الإشارة إلى أنّ التنبؤات الطبية المتعلقة بالمصابين إيجابية نوعًا ما، وذلك بالرغم من الاضطراب النفسي الذي يُعانون منه، إذ إنّهم غالبًا يمتلكون مهارات تواصل عالية مع الآخرين، فبالرغم من أنّهم يستغلونها للتلاعب في الآخرين ولفت انتباههم، إلّا أنّها تُمكنهم من الانخراط في المجتمع المحيط بهم، كمشاركتهم في الأنشطة المجتمعية المختلفة، بالإضافة إلى قدرتهم على أداء أعمالهم على الوجه المطلوب، دون أن يكون للاضطراب الذي يعانون منه تأثير مباشر يُؤدي إلى فقدانهم الوظيفة. [٧]


نصائح للتعامل مع المصابين باضطراب الشخصية الهستيري

إنّ التفاعل مع المصابين بهذا النوع من الاضطرابات النفسية غالبًا ما يكون متعبًا ومرهقًا، نتيجة لما يتسببون به من مشكلات للآخرين تجعلهم غير مرتاحين في التعامل معهم، بالرغم من ذلك؛ قد يكون من الصعب تجنبهم في بعض الحالات، أو الانصراف عنهم، فقد تضطر للتعامل معهم خاصة، إذا كانوا شخصًا مقربًا، فردًا من العائلة أو صديق مقرب، أو شريك عاطفي، لذلك إليك من النصائح ما قد يُساعدك في التعامل معهم:[٨]

  • حاول أن تتفهمهم وتقبلهم: ذكرنا سابقًا أنّ المصابين باضطراب الشخصية الهستيري، ينظرون إلى تصرفاتهم على أنّها طبيعية، ولا يُدركون سوء نتائجها، ولا يشعرون بالخجل تُجاهها، وبالتالي فإنّ ذلك يُعيق استجابتهم للتغيير أو التعديل على السلوكيات التي يُظهرونها، ومن الأفضل للمحيطين بهم الصبر عليهم، وإشعارهم بالتقبل والتفهم.
  • لا تتجاهل جميع تصرفاتهم: أن تقبل المصابين بهذا الاضطراب واحترامهم غير كافٍ أحيانًا، إذ لا بدّ لهم في المقابل احترام من حولهم، فإنّ من الأمور التي لا ينبغي السكوت عنها أو تجاهلها؛ محاولتهم في توجيه الإهانة للآخرين أو الصراخ والمبالغة في انفعالاتهم وتصرفاتهم، ومن الأفضل في هذه الحالة، تجنبهم حتى يهدؤوا تمامًا، ثم التحدث معهم حول أخطائهم وسلوكياتهم غير المقبولة.
  • تجاهل محاولاتهم في لفت الانتباه: عند تقديمك للمصابين بهذا الاضطراب الاهتمام الذي يبحثون عنه في كل مرة يتصرفون فيه بانفعال شديد، فإنّك تدفعهم إلى تكرار هذه التصرفات دون إدراكك لذلك، فحاول بدلًا من ذلك، تجاهل تصرفاتهم، أو الرد عليهم باختصار، والإفصاح أمامهم عن عدم اضطرارك لسماعهم عند إظهارهم لانفعالات مبالغ بها.
  • تجنب مشاركتهم في التلاعب بالآخرين، بل حاول إدراك التصرفات السيئة التي تصدر منهم، لأن نتائجها ستكون على الأغلب مؤذية لك ولمن حولك.
  • عزز من سلوكياتهم الإيجابية: على سبيل المثال، حاول تشجيعهم على التحدث دون اللجوء إلى إظهار انفعالات مبالغ بها، ودون السعي في إثارة عواطف الآخرين، وأفصح لهم عن الراحة التي شعرت بها أثناء تعاملك معهم في كل مرة يتصرفون فيها تصرفًا إيجابيًا، لتعزيز سلوكياتهم الجيدة.
  • شجعهم على العلاج: أشرنا سابقًا إلى عدم قدرة المصابين باضطراب الشخصية الهستيرية على إدراكهم للمشكلة النفسية التي يُعانون منها، أو العلاج الذي يحتاجون للخضوع له، لذلك يُمكن تشجيعهم على العلاج، دون أن تضطر إلى إقناعهم بأنهم مصابون باضطراب نفسي، بل بتوجيهم إلى أهمية تعلمهم كيفية التعامل مع المشكلات التي يُواجهونها، والتي تلعب دورًا في تحسين علاقاتهم مع الآخرين، ونوعية الحياة التي يعيشونها.


المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج ح Kendra Cherry (17/9/2020), "What Is Histrionic Personality Disorder (HPD)?", verywellmind, Retrieved 7/12/2020. Edited.
  2. Carmella Wint (4/8/2017), "Histrionic Personality Disorder", healthline, Retrieved 7/12/2020. Edited.
  3. ^ أ ب "Histrionic Personality Disorder", clevelandclinic, Retrieved 7/12/2020. Edited.
  4. ^ أ ب ت ث "Histrionic Personality Disorder", psychologytoday, Retrieved 7/12/2020. Edited.
  5. ^ أ ب ت "Histrionic personality disorder", mountsinai, Retrieved 7/12/2020. Edited.
  6. "Histrionic Personality Disorder", webmd, Retrieved 7/12/2020. Edited.
  7. ^ أ ب ت "Are Those with Histrionic Personality Disorder at Greater Risk for Substance Abuse?"، americanaddictioncenters، 11/6/2019، اطّلع عليه بتاريخ 7/12/2020. Edited.
  8. ANDREA GARCIA CERDAN (4/10/2017), "Histrionic Personality Disorder: What it is and how to deal with dramatic people", cognifit, Retrieved 7/12/2020. Edited.